كيف كان يعالج الرسول الصراعات على مصادر المياه والري؟




02:18 م


الثلاثاء 13 يوليه 2021

كتبت – آمال سامي:

لم يكن مجتمع المدينة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجتمعًا يوتيوبيًا، بل واجه الكثير من المشكلات والقضايا بين أفراده وجماعاته تشبه كثيرًا ما يحدث في المجتمعات الآن، فترك لنا النبي قواعد راسخة للتعامل مع العديد من المشكلات، وكما قال تعالى في كتابه العزيز: ” مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ”، وكانت أزمة سد النهضة مؤخرًا التي واجهتها دول حوض النيل ومن بينها مصر، أبرز القضايا التي تصدرت وسائل الإعلام مؤخرًا خاصة بعدما علق عليها شيخ الأزهر الشريف الإمام أحمد الطيب وأيضًا مفتي إثيوبيا.. ولم يكن ذلك الاختلاف ببعيد عما وقع بين المسلمين في القرون الأولى..

للماء وجود نادر وهام للغاية في الجزيرة العربية، فالمياه في البيئة الصحراوية ضرورة حياتية لا مفر من تأمينها وتنظيمها حتى لا تكون سببًا في الصراعات ، وهو ما حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوفره للمسلمين منذ هجرتهم إلى المدينة، ويرسي قواعد لتنظيمه لضمان الاستقرار، وتحمل لنا كتب التاريخ والسير سياسة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تنظيم المياه والري بين الجيران، وأيضًا وصاياه في عدم الجور.. وفي السطور التالية نرصد أبرز المواقف المتعلقة بتنظيم المياه وجريانها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قصة بئر رومة

حين هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، عانوا من مشكلة المياه وندرتها، وكانت بجوارهم بئر رومة، وهو بئر يمتلكه يهودي، كان يبيع ماءه العذب للمسلمين، ولكن كان من بينهم الفقراء الذين لا يجدون ثمن ذلك، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يعرض على أصحابه شراء البئر ليجعلها في سبيل الله لتفيض على الناس وترويهم بلا مقابل، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه أول من لبى هذا النداء.

ويروي البخاري أن المسلمين اشتكوا رسول الله أنهم كانوا حين يذهبون إلى البئر ليشربوا كانوا كثيرًا ما يجدونها مغلقة وصاحبها غائب، فيرجعون بغير ماء، فقال – صلى الله تعالى عليه وسلم : “من يشتريها ويمنحها للمسلمين ، ويكون نصيبه فيها كنصيب أحدهم ، فله الجنة ، فاشتراها عثمان “، وقال بدر الدين العيني في “عمدة القاري في شرح صحيح البخاري” أن بئر رومة هي بئر معروفة بمدينة النبي عليه الصلاة والسلام ، اشتراها عثمان بخمسة وثلاثين ألف درهم ، فوقفها ، وزعم الكلبي أنه كان قبل أن يشتريها عثمان يشتري منها كل قربة بدرهم.

اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك

كان اختلاف الزبير بن العوام رضي الله عنه مع أحد الأنصار حول قضية تنظيم مياه الري، أحد المواقف التي نقلتها لنا كتب السير، إذ حكم بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث شهير، إذ كان الماء يمر أولًا بأرض الزبير قبل الأنصاري، فكان يحبسه لأكمال سقي أرضه ثم يرسله إلى جاره، فاراد الأنصاري أن يعجل الزبير ذلك قبل أن يروي هو، فرفض، فاحتكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقضي بينهما..

فيروى عن عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير حدثه أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة التي يسقون بها النخل فقال الأنصاري سرح الماء يمر فأبى عليهم فاختصموا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير: “اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك “، والحديث ثابت في الصحيحين، وعلق ابن حجر على هذا الحديث في “فتح الباري” ذاكرًا أن المدينة كان بها واديان يسيل بهما المطر فيتنافس الناس، فقضى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون الماء للأعلى فالأعلى.

أما حد حبس الماء عن صاحب الأرض فقد قرر حده العلماء حسبما ينقل النووي في شرحه للحديث، فيقول إن لصاحب الأرض الأولى التي تلي الماء أن يحبس الماء إلى حد قدره العلماء بما يصل لكعب رجل الإنسان، ثم يرسله إلى جاره الذي وراءه.

تنظيم مياه وادي مهزور

هو مصدر هام من مصادر ري المياه بالمدينة المنورة، وسمي أيضًا بوادي قريظة، حيث سكن بنو قريظة بالقرب منه، ويطلق عليه أيضًا وادي الفحل، وروت لنا كتب السيرة كيف أدار رسول الله في وادي مهزور عملية تنظيم جريان الماء بين أهله، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم أن يحبس الماء في الأرض إلى الكعبين ثم يرسل إلى الأخرى، لا يمنع الأعلى الأسفل، وذلك حتى ينظم جريان الماء بغرض الزراعة، وقد ورد عن عبد الرحمن بن الحارث أن رسول الله قضى في سيل مهزور أن الأعلى يمسك على من أسفل منه، حتى يبلغ الكعبين ثم يرسله على من أسفل منه.

وحدث حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: قضى رسول الله في سيل مهزور أن لأهل النخل إلى العقبين، ولأهل الزرع إلى الشراكين، ثم يرسلون الماء إلى من هو أسفل منهم.

وروي أن المدينة كادت تغرق في خلافة عثمان من سيل مهزور، فيروى عن ابن جعدبة وغيره أن المدينة أشرفت على الغرق في خلافة عثمان من سيل مهزور حتى اتخذ له عثمان ردما.

اقرأ أيضًا:

الأزهر يدعو المجتمع الدولي والعربي والإسلامي والإفريقي لمساندة مصر والسودان للحفاظ على حقوقهم المائية

إثيوبيا ترد على بيان الأزهر: واقع من غير علم بحقيقة سد النهضة

علي جمعة: “سنسمع كل يوم عن هبوط عجيب لأرض سد النهضة وانهياره”- فيديو

ردا على مفتي إثيوبيا.. أسامة الأزهري: من اعتدى على حقنا فلا يلومن إلا نفسه