آخر الأخبارأخبارأخبار العالم

أرملة «البراهمي»: إخوان تونس اغتالوا زوجي بعد تأييده ثورة مصر.. وقرارات الرئيس استجابة للشعب «حوار» – العرب والعالم

رغم مرور 8 سنوات على اغتيال المناضل التونسي محمد البراهمي على يد الجهاز السري لحركة «النهضة» الإخوانية، الملطخة بالدماء، فإنه يظل الأيقونة في تونس للنضال ضد جماعة الإخوان ليس في بلاده فقط بل في الوطن العربي بأسره، رافضا جميع محاولات أخونة الدولة، تصدى لها وأيد ثورة 30 يونيو التي أطاحت بحكم الإخوان في مصر، حيث كان هذا الموقف من أبرز الأسباب التي عجلت باغتياله نظرا لتخوف الإخوان في تونس من شعبيته وتأثيره في البلاد، حيث رآه تجار الدين في تونس أنه من أخطر الأشخاص وأكثرهم تهديدا لحكمهم.

السيدة مباركة عواينية، أرملة الشهيد محمد البراهمي، تحدثت لـ«الوطن» في أول حوار لصحيفة مصرية، عن ذكرى اغتياله ومواقفه الوطنية وتصديه لجماعة الإخوان في بلاده، وملف قضية اغتياله وتورط الجهاز السري لحركة «النهضة» الأخوانية، وموقفها من قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد، وإلى نص الحوار التالي:

– ما تفسيرك لإخفاء أدلة ملف اغتيال الشهيد محمد البراهمي خلال السنوات الماضية؟

على مدى 8 سنوات وقضية اغتيال الشهيد محمد البراهمي تراوح مكانها في أروقة المحاكم وبالمقابل فإن جرائم كثيرة في تونس حسمت أمنيا وقضائيا في وقت قياسي، فلماذا مع الشهيد محمد البراهمي بالذات؟، لماذا كل هذا التلكؤ والتهرب وهدر كل هذه السنوات هباء؟

– كيف تسترت حكومة النهضة ووزارة الداخلية على ملف اغتيال البراهمي؟

الشهيد محمد البراهمي مناضل ينتمي إلى المدرسة القوميّة الناصرية، وهو رجل سياسي ونقابي قاوم الاستبداد في عهديْ بورقيبة وزين العابدين بن على وتعرض للسجن والتنكيل لكنه لم يتخل عن مبادئه وقيمه رغم الترهيب والترغيب اللذان مورسا معه طويلا، ثم انطلق حراك 17 ديسمبر 2010 الذي أطاح برأس النظام وقتها زين العابدين بن علي من مسقط رأسه مدينة سيدي بوزيد، وقد كان الشهيد من أبرز المحركين لهذا الحراك الذي نقلوه إلى بقية المحافظات حتى يوم فرار بن علي وأسرته إلى الخارج، استقرّت الأوضاع نسبيّا وشكليّا الي غاية انتخابات 23 أكتوبر 2011 التي أفرزت فوزا كبيرا لحركة النهضة الإخوانية في البرلمان وبنت تحالفا سياسيا مع حزبين صغيرين أحدهما حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ومنه كان الرئيس منصف المرزوقي، وحزب التكتل من أجل العمل والحريات ومنه اختاروا مصطفى بن جعفر رئيسا للمجلس الوطني التأسيسي وتشكلت الترويكا التي حكمت البلاد من 2011 إلى 2014، وبدأت العشرية السوداء على المستويات السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والأمني وانتشرت الخيمات الدعوية وتتالت زيارات شيوخ الفتنة لنشر الفكر المتطرف في صفوف الشباب التونسي، وبدأ التكفير في المساجد التي سيطر عليها التكفيريون على مرأى ومسمع من السلطة التونسية آنذاك، وبدأوا يهدّدون المعارضة بالسحل والقتل وتقطيع الأيدي والأرجل من خلاف وذلك عبر المنابر الإعلامية ومن نوابهم تحت قبة البرلمان.

البراهمي أيد ثورة 30 يونيو واعتبر أن الشعب المصري استعاد ثورته

– ما موقف الشهيد محمد البراهمي من ثورة 30 يونيو 2013 في مصر؟

كان الشهيد محمد البراهمي نائبا بالمجلس الوطني التأسيسي في تلك الفترة وكان متصديا شرسا لجماعة الإخوان هنا في تونس، وعرّى عمالتهم للخارج وفضح تمويلاتهم الأجنبية وتحدث طويلا عن دورهم القذر في الحرب على سوريا الشقيقة، ثم حيّا الشعب المصري العظيم وجيشه الوطني خلال ثورة 30 يونيو 2013 معتبرا أن الشعب المصري قد استعاد ثورته، كلها أسباب جعلتهم يتخذون القرار باغتياله يوم 25 يوليو 2013.

– لماذا أقدم الإخوان في تونس على اغتيال الشهيد محمد البراهمي؟

كانت الجريمة منتصف يوم الخميس 25 يوليو عام 2013 أثناء أذان الظهر، نفذوا فيه جريمتهم بوابل من الرصاص من سلاحين اثنين، فاخترقت جسده الطاهر 14 رصاصة، كل الأسباب التي من أجلها تم اغتيال الشهيد محمد البراهمي والتي تجلّت في مواقفه من تظيمهم الدولي وفي سجالاته معهم سواء في البرلمان أو وسائل الإعلام أو في اجتماعاته العامة التي يلتقي فيها المواطنون ويتحدث إليهم حول جرائمهم ضد تونس والأمة العربية، كلها تورطهم في دمه وتجعلهم يستخدمون المتواطئين معهم في القضاء وفي أجهزة الدولة التونسية لإخفاء الأدلة التي تُدينهم فيعمدون إلى بعثرة الملف إلى ملفات وإلى سرقة الوثائق وأقراص السي دي والصور حتى تضيع الحقيقة ونتعب نحن ونستسلم.

– ما كواليس محاولة الاغتيال التي تعرضت لها خلال عام 2020؟

بخصوص إحباط مخطط الاغتيال الذي استهدفني فإن الأمر يتلخص في أن الأجهزة الأمنية ألقت القبض على أحد كبار الإرهابيين الذي تورطوا سابقا في إعداد الأحزمة الناسفة وذبح ضحاياهم من المواطنين الأبرياء ونصب الكمائن للجنود والأمنيين وغير ذلك، وبالضغط عليه اعترف أنهم بصدد الإعداد لمخططات تستهدف أمنيين وعسكريين وإعلاميين إلا أن المخطط الجاهز هو تصفيتي، وذلك في بيت عائلتي بقرية سيدي علي بن عون التابعة لولاية سيدي بوزيد، وأنه تم تجهيز حزام ناسف لتنفيذ هذه المُهمّة.

– ولماذا قرر الجهاز السري لحركة النهضة اغتيالك؟

هذا القرار كان بسبب مواقفي الصلبة من الإخوان ومن مرتزقتهم التكفيريين والذين اعتبرهم أدوات مأجورة رخيصة تنفذ عدوانا على الوطن والأمة، كما حملتهم دائما مسؤولية تسفير الشباب التونسي للقتال في بؤر الإرهاب مثل سوريا وليبيا، وتم إعلامي بمخطط الاغتيال في مارس 2020 وقد وفرت لي الدولة الحماية الأمنية الضرورية.

– هل تعرض أفراد آخرون في العائلة للتهديد؟

نعم، فقد عمدت أذرعهم الجامعية إلى تهديد ابنتي الطالبة بالجامعة «سارة البراهمي» بالقتل ونشروا تهديداتهم على صفحات منظمتهم الطلابية على مواقع التواصل الاجتماعي كما تعرضت ابنتي إلى الإعتداء بالعنف الشديد فقط لأنها تختلف معهم في الفكر وفي الممارسة.

– هل توجد أدلة جديدة لتورط التنظيم السري لحركة النهضة لاغتيال زوجك؟

تمسكنا بحقنا وحق التونسيين في معرفة الحقيقة ومعاقبة المجرمين ومن كلّفهم ومن أفتى لهم ومن حماهم ومن تستّر عليهم، وبفضل هيئة الدفاع عن الشهيدين محمد براهمي وشكري بلعيد أصبحت إدانة حركة النهضة واضحة لا غُبار عليها وهي إدانة آمن بها القضاء اليوم بعد أن تم إيقاف بشير العكرمي «رئيس النيابة العمومية» عن العمل وإحالته على النيابة بتهمة التستر على جرائم إرهابية وقضايا فساد وتبييض أموال.

– نعلم أنها ذكرى صعبة.. ماذا حدث في يوم اغتيال محمد البراهمي منذ استيقاظه حتى تعرضه لإطلاق النار؟

أتذكر تفاصيله كأنها تمر الآن، كان يوم 25 يوليو عام 2013، الموافق السادس عشر من شهر رمضان وكان أيضا ذكرى عيد الجمهورية، نام متأخرا تلك الليلة، سهر خارج البيت مع رفاقه وعاد حوالي الثانية فجرا، وأكمل سهرته مع ابنته «بلقيس» بالمطبخ، كانا يتحدثان عن التوجيه الجامعي باعتبارها قد نجحت حديثا في امتحان البكالوريا «الثانوية العامة»، وتستعد للدخول الي الجامعة، كنت في غرفتي أشاهد التلفاز حتى تناهى إلى مسمعي أذان الفجر، فتوضأت وصليت في الصالون وعندما انتهيت وهممتُ بالدخول إلى غرفتي وجدته يفرش سجادته ويضحك متندرا: «لماذا تُصلّينَ بهذه العجلة؟»، فأجبته: «حتى لا أصلي معك فتُبقيني نصف ساعة وأنا واقفة»، واستيقظنا بعد العاشرة صباحا عندما أتت إليه ابنتنا الصغرى «فداء» لتُلاعبه وتطلب منه كعادتها :«بابا احكيلي حكاية»، فيؤلف لها فورا قصة تتابعها الصغيرة بكل انتباه، ويومها استأذن منها أن يقوم ليأخذ حماما ثم يخرج.

تبادلنا بعض الكلمات وسألني إن كنتُ قد دعوت أحدا على الإفطار لأننا لم نتعود أن نتناول الإفطار بمفردنا في كل أيام شهر رمضان المبارك، واتفقنا على أن ندعو صديقه النائب مراد وزوجته، وسألني وهو يفتح الباب للخروج إن كنت قد سمعت أذان الظهر ولما أجبته بالنفي قال لي :«سأصلي خارج المنزل»، قالها وأغلق الباب وراءه، ثم سمعت باب السور وهو ينغلق أيضا، وتلاه استماعي لصوت الرصاص، فتيقنت أنه هو، وخرجت من البيت، فوجدته وراء مقود السيارة غارقا في دمائه ووجدت القاتلين يتجهان نحو دراجتهما النارية بكل ثقة وثبات.

عدت إلى البيت مسرعة وارتديت عباءتي ووضعت شالا على رأسي ثم عدت إليه وجدت ابني عدنان وأخته بلقيس يجلسان القرفصاء في الباب المحاذي لباب والدهما حيث تدلى رأسه على المقعد المحاذي لمقعده وكان عدنان يُمسك سبابته ويصيحان معا: «يا بابا شهّد.. يا بابا شهّد»، أشفقت عليه وطلبت منهما أن يتوقفا، لكنه نطق الشهادتين ثم أغمض عينيه.

توافد الجيران وحملناه إلى «مستشفى محمود الماطري» حيث أسلم روحه لبارئها، ثم نزلت تونس عن بكرة أبيها في مظاهرات تحمل الإخوانجية جريمة الدولة ضد المناضل النائب محمد البراهمي.

أبنائي يتلقون علاجا نفسيا حتى الآن بسبب صدمة الاغتيال

– ما هي أصعب اللحظات التي مرت عليك منذ اغتيال السيد البراهمي؟

أوقات كثيرة صعبة مرت على بعد استشهاد زوجي محمد براهمي، كانت صدمة الاغتيال وما تلاها في الفترة الأولى الأكثر صعوبة، أولادي تعبوا جميعا نفسيا، تعبوا كثيرا ومنهم من لا تزال تعالج لدى الأخصائيين النفسيين، وما أتعبني أن مُحيطهم لا يستوعبُ مرارة ما مروا به، وذلك أصعب شيء على الإطلاق، مررت بصعوبات عديدة ممكن أن تمر بها أي امرأة تجد نفسها فجأة وحيدة مع خمسة أبناء يُقتل أبوهم أمام أعينهم، صعب جدا وعلى الله الاتكال.

– ما رأيك في القرارات التي يتخذها الرئيس قيس سعيد منذ يوم 25 يوليو؟

قرارات قيس سعيد جاءت بعد حراك شعبي كبير ومتواصل منذ أشهر طويلة لما وجد الشعب التونسي نفسه وجها لوجه مع خيبة الأمل والفقر والخصاصة والبطالة والمرض والدولة في حالة غياب مُطلق بل بالعكس، تتصيّدُ المحتجين وتضعهم في السجون.

وكان الحراك الأخير من قبل الشعب بمثابة الإعلان الأخير من الشعب التونسي أنه متجه رأسا لحرق مقرات حزب النهضة الذي أحرق آمالنا وحقنا في حياة كريمة، وفي الليلة الفاصلة بين 24 و25 يوليو أحرق المتظاهرون العديد من مقرات حركة النهضة محملينها مسؤولية الأوضاع المتردية وإفلاس البلاد غير المعلن، انتشرت الاحتجاجات الاجتماعية وكادت أن تخرج عن السيطرة لولا تدخل السيد رئيس الجمهورية قيس سعيد وتفعيله للفصل 80 من الدستور باعتبار أننا في حالة خطر داهم ولا بد لرئيس الجمهورية أن يأخذ كل التدابير لإنقاد الوطن من أعدائه.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبارأخبارأخبار العالم

أرملة «البراهمي»: إخوان تونس اغتالوا زوجي بعد تأييده ثورة مصر.. وقرارات الرئيس استجابة للشعب «حوار» – العرب والعالم

رغم مرور 8 سنوات على اغتيال المناضل التونسي محمد البراهمي على يد الجهاز السري لحركة «النهضة» الإخوانية، الملطخة بالدماء، فإنه يظل الأيقونة في تونس للنضال ضد جماعة الإخوان ليس في بلاده فقط بل في الوطن العربي بأسره، رافضا جميع محاولات أخونة الدولة، تصدى لها وأيد ثورة 30 يونيو التي أطاحت بحكم الإخوان في مصر، حيث كان هذا الموقف من أبرز الأسباب التي عجلت باغتياله نظرا لتخوف الإخوان في تونس من شعبيته وتأثيره في البلاد، حيث رآه تجار الدين في تونس أنه من أخطر الأشخاص وأكثرهم تهديدا لحكمهم.

السيدة مباركة عواينية، أرملة الشهيد محمد البراهمي، تحدثت لـ«الوطن» في أول حوار لصحيفة مصرية، عن ذكرى اغتياله ومواقفه الوطنية وتصديه لجماعة الإخوان في بلاده، وملف قضية اغتياله وتورط الجهاز السري لحركة «النهضة» الأخوانية، وموقفها من قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد، وإلى نص الحوار التالي:

– ما تفسيرك لإخفاء أدلة ملف اغتيال الشهيد محمد البراهمي خلال السنوات الماضية؟

على مدى 8 سنوات وقضية اغتيال الشهيد محمد البراهمي تراوح مكانها في أروقة المحاكم وبالمقابل فإن جرائم كثيرة في تونس حسمت أمنيا وقضائيا في وقت قياسي، فلماذا مع الشهيد محمد البراهمي بالذات؟، لماذا كل هذا التلكؤ والتهرب وهدر كل هذه السنوات هباء؟

– كيف تسترت حكومة النهضة ووزارة الداخلية على ملف اغتيال البراهمي؟

الشهيد محمد البراهمي مناضل ينتمي إلى المدرسة القوميّة الناصرية، وهو رجل سياسي ونقابي قاوم الاستبداد في عهديْ بورقيبة وزين العابدين بن على وتعرض للسجن والتنكيل لكنه لم يتخل عن مبادئه وقيمه رغم الترهيب والترغيب اللذان مورسا معه طويلا، ثم انطلق حراك 17 ديسمبر 2010 الذي أطاح برأس النظام وقتها زين العابدين بن علي من مسقط رأسه مدينة سيدي بوزيد، وقد كان الشهيد من أبرز المحركين لهذا الحراك الذي نقلوه إلى بقية المحافظات حتى يوم فرار بن علي وأسرته إلى الخارج، استقرّت الأوضاع نسبيّا وشكليّا الي غاية انتخابات 23 أكتوبر 2011 التي أفرزت فوزا كبيرا لحركة النهضة الإخوانية في البرلمان وبنت تحالفا سياسيا مع حزبين صغيرين أحدهما حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ومنه كان الرئيس منصف المرزوقي، وحزب التكتل من أجل العمل والحريات ومنه اختاروا مصطفى بن جعفر رئيسا للمجلس الوطني التأسيسي وتشكلت الترويكا التي حكمت البلاد من 2011 إلى 2014، وبدأت العشرية السوداء على المستويات السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والأمني وانتشرت الخيمات الدعوية وتتالت زيارات شيوخ الفتنة لنشر الفكر المتطرف في صفوف الشباب التونسي، وبدأ التكفير في المساجد التي سيطر عليها التكفيريون على مرأى ومسمع من السلطة التونسية آنذاك، وبدأوا يهدّدون المعارضة بالسحل والقتل وتقطيع الأيدي والأرجل من خلاف وذلك عبر المنابر الإعلامية ومن نوابهم تحت قبة البرلمان.

البراهمي أيد ثورة 30 يونيو واعتبر أن الشعب المصري استعاد ثورته

– ما موقف الشهيد محمد البراهمي من ثورة 30 يونيو 2013 في مصر؟

كان الشهيد محمد البراهمي نائبا بالمجلس الوطني التأسيسي في تلك الفترة وكان متصديا شرسا لجماعة الإخوان هنا في تونس، وعرّى عمالتهم للخارج وفضح تمويلاتهم الأجنبية وتحدث طويلا عن دورهم القذر في الحرب على سوريا الشقيقة، ثم حيّا الشعب المصري العظيم وجيشه الوطني خلال ثورة 30 يونيو 2013 معتبرا أن الشعب المصري قد استعاد ثورته، كلها أسباب جعلتهم يتخذون القرار باغتياله يوم 25 يوليو 2013.

– لماذا أقدم الإخوان في تونس على اغتيال الشهيد محمد البراهمي؟

كانت الجريمة منتصف يوم الخميس 25 يوليو عام 2013 أثناء أذان الظهر، نفذوا فيه جريمتهم بوابل من الرصاص من سلاحين اثنين، فاخترقت جسده الطاهر 14 رصاصة، كل الأسباب التي من أجلها تم اغتيال الشهيد محمد البراهمي والتي تجلّت في مواقفه من تظيمهم الدولي وفي سجالاته معهم سواء في البرلمان أو وسائل الإعلام أو في اجتماعاته العامة التي يلتقي فيها المواطنون ويتحدث إليهم حول جرائمهم ضد تونس والأمة العربية، كلها تورطهم في دمه وتجعلهم يستخدمون المتواطئين معهم في القضاء وفي أجهزة الدولة التونسية لإخفاء الأدلة التي تُدينهم فيعمدون إلى بعثرة الملف إلى ملفات وإلى سرقة الوثائق وأقراص السي دي والصور حتى تضيع الحقيقة ونتعب نحن ونستسلم.

– ما كواليس محاولة الاغتيال التي تعرضت لها خلال عام 2020؟

بخصوص إحباط مخطط الاغتيال الذي استهدفني فإن الأمر يتلخص في أن الأجهزة الأمنية ألقت القبض على أحد كبار الإرهابيين الذي تورطوا سابقا في إعداد الأحزمة الناسفة وذبح ضحاياهم من المواطنين الأبرياء ونصب الكمائن للجنود والأمنيين وغير ذلك، وبالضغط عليه اعترف أنهم بصدد الإعداد لمخططات تستهدف أمنيين وعسكريين وإعلاميين إلا أن المخطط الجاهز هو تصفيتي، وذلك في بيت عائلتي بقرية سيدي علي بن عون التابعة لولاية سيدي بوزيد، وأنه تم تجهيز حزام ناسف لتنفيذ هذه المُهمّة.

– ولماذا قرر الجهاز السري لحركة النهضة اغتيالك؟

هذا القرار كان بسبب مواقفي الصلبة من الإخوان ومن مرتزقتهم التكفيريين والذين اعتبرهم أدوات مأجورة رخيصة تنفذ عدوانا على الوطن والأمة، كما حملتهم دائما مسؤولية تسفير الشباب التونسي للقتال في بؤر الإرهاب مثل سوريا وليبيا، وتم إعلامي بمخطط الاغتيال في مارس 2020 وقد وفرت لي الدولة الحماية الأمنية الضرورية.

– هل تعرض أفراد آخرون في العائلة للتهديد؟

نعم، فقد عمدت أذرعهم الجامعية إلى تهديد ابنتي الطالبة بالجامعة «سارة البراهمي» بالقتل ونشروا تهديداتهم على صفحات منظمتهم الطلابية على مواقع التواصل الاجتماعي كما تعرضت ابنتي إلى الإعتداء بالعنف الشديد فقط لأنها تختلف معهم في الفكر وفي الممارسة.

– هل توجد أدلة جديدة لتورط التنظيم السري لحركة النهضة لاغتيال زوجك؟

تمسكنا بحقنا وحق التونسيين في معرفة الحقيقة ومعاقبة المجرمين ومن كلّفهم ومن أفتى لهم ومن حماهم ومن تستّر عليهم، وبفضل هيئة الدفاع عن الشهيدين محمد براهمي وشكري بلعيد أصبحت إدانة حركة النهضة واضحة لا غُبار عليها وهي إدانة آمن بها القضاء اليوم بعد أن تم إيقاف بشير العكرمي «رئيس النيابة العمومية» عن العمل وإحالته على النيابة بتهمة التستر على جرائم إرهابية وقضايا فساد وتبييض أموال.

– نعلم أنها ذكرى صعبة.. ماذا حدث في يوم اغتيال محمد البراهمي منذ استيقاظه حتى تعرضه لإطلاق النار؟

أتذكر تفاصيله كأنها تمر الآن، كان يوم 25 يوليو عام 2013، الموافق السادس عشر من شهر رمضان وكان أيضا ذكرى عيد الجمهورية، نام متأخرا تلك الليلة، سهر خارج البيت مع رفاقه وعاد حوالي الثانية فجرا، وأكمل سهرته مع ابنته «بلقيس» بالمطبخ، كانا يتحدثان عن التوجيه الجامعي باعتبارها قد نجحت حديثا في امتحان البكالوريا «الثانوية العامة»، وتستعد للدخول الي الجامعة، كنت في غرفتي أشاهد التلفاز حتى تناهى إلى مسمعي أذان الفجر، فتوضأت وصليت في الصالون وعندما انتهيت وهممتُ بالدخول إلى غرفتي وجدته يفرش سجادته ويضحك متندرا: «لماذا تُصلّينَ بهذه العجلة؟»، فأجبته: «حتى لا أصلي معك فتُبقيني نصف ساعة وأنا واقفة»، واستيقظنا بعد العاشرة صباحا عندما أتت إليه ابنتنا الصغرى «فداء» لتُلاعبه وتطلب منه كعادتها :«بابا احكيلي حكاية»، فيؤلف لها فورا قصة تتابعها الصغيرة بكل انتباه، ويومها استأذن منها أن يقوم ليأخذ حماما ثم يخرج.

تبادلنا بعض الكلمات وسألني إن كنتُ قد دعوت أحدا على الإفطار لأننا لم نتعود أن نتناول الإفطار بمفردنا في كل أيام شهر رمضان المبارك، واتفقنا على أن ندعو صديقه النائب مراد وزوجته، وسألني وهو يفتح الباب للخروج إن كنت قد سمعت أذان الظهر ولما أجبته بالنفي قال لي :«سأصلي خارج المنزل»، قالها وأغلق الباب وراءه، ثم سمعت باب السور وهو ينغلق أيضا، وتلاه استماعي لصوت الرصاص، فتيقنت أنه هو، وخرجت من البيت، فوجدته وراء مقود السيارة غارقا في دمائه ووجدت القاتلين يتجهان نحو دراجتهما النارية بكل ثقة وثبات.

عدت إلى البيت مسرعة وارتديت عباءتي ووضعت شالا على رأسي ثم عدت إليه وجدت ابني عدنان وأخته بلقيس يجلسان القرفصاء في الباب المحاذي لباب والدهما حيث تدلى رأسه على المقعد المحاذي لمقعده وكان عدنان يُمسك سبابته ويصيحان معا: «يا بابا شهّد.. يا بابا شهّد»، أشفقت عليه وطلبت منهما أن يتوقفا، لكنه نطق الشهادتين ثم أغمض عينيه.

توافد الجيران وحملناه إلى «مستشفى محمود الماطري» حيث أسلم روحه لبارئها، ثم نزلت تونس عن بكرة أبيها في مظاهرات تحمل الإخوانجية جريمة الدولة ضد المناضل النائب محمد البراهمي.

أبنائي يتلقون علاجا نفسيا حتى الآن بسبب صدمة الاغتيال

– ما هي أصعب اللحظات التي مرت عليك منذ اغتيال السيد البراهمي؟

أوقات كثيرة صعبة مرت على بعد استشهاد زوجي محمد براهمي، كانت صدمة الاغتيال وما تلاها في الفترة الأولى الأكثر صعوبة، أولادي تعبوا جميعا نفسيا، تعبوا كثيرا ومنهم من لا تزال تعالج لدى الأخصائيين النفسيين، وما أتعبني أن مُحيطهم لا يستوعبُ مرارة ما مروا به، وذلك أصعب شيء على الإطلاق، مررت بصعوبات عديدة ممكن أن تمر بها أي امرأة تجد نفسها فجأة وحيدة مع خمسة أبناء يُقتل أبوهم أمام أعينهم، صعب جدا وعلى الله الاتكال.

– ما رأيك في القرارات التي يتخذها الرئيس قيس سعيد منذ يوم 25 يوليو؟

قرارات قيس سعيد جاءت بعد حراك شعبي كبير ومتواصل منذ أشهر طويلة لما وجد الشعب التونسي نفسه وجها لوجه مع خيبة الأمل والفقر والخصاصة والبطالة والمرض والدولة في حالة غياب مُطلق بل بالعكس، تتصيّدُ المحتجين وتضعهم في السجون.

وكان الحراك الأخير من قبل الشعب بمثابة الإعلان الأخير من الشعب التونسي أنه متجه رأسا لحرق مقرات حزب النهضة الذي أحرق آمالنا وحقنا في حياة كريمة، وفي الليلة الفاصلة بين 24 و25 يوليو أحرق المتظاهرون العديد من مقرات حركة النهضة محملينها مسؤولية الأوضاع المتردية وإفلاس البلاد غير المعلن، انتشرت الاحتجاجات الاجتماعية وكادت أن تخرج عن السيطرة لولا تدخل السيد رئيس الجمهورية قيس سعيد وتفعيله للفصل 80 من الدستور باعتبار أننا في حالة خطر داهم ولا بد لرئيس الجمهورية أن يأخذ كل التدابير لإنقاد الوطن من أعدائه.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock